تبني الاستدامة: ثورة الاقتصاد الدائري

23 يناير 2024

في إطار السعي العالمي نحو تحقيق الاستدامة، يبرز الاقتصاد الدائري كقوة ثورية تتحدى النماذج الخطية التقليدية وتمهّد الطريق نحو مستقبل متجدد وواعٍ بيئيًا. خلال هذه المقالة، سنبحث في الأساليب الرئيسية التي تحدد الاقتصاد الدائري، وكيفية مساهمتها في نظام بيئي عالمي أكثر استدامة ومرونة.

في النموذج الخطي التقليدي، الذي يوصف في كثير من الأحيان بالاستخراج، التصنيع، الاستخدام، والتخلص، يتم استخراج الموارد لإنشاء منتج، والذي يتم استخدامه بعد ذلك إلى أن يصبح نفايات. من الواضح أن هذا ليس نموذجًا مستدامًا، حيث أن جميع الموارد في نهاية المطاف محدودة، كما يتم إهدار الكثير من الطاقة في كل مرة نقوم فيها بإنتاج منتج جديد من البداية.

يقوم النموذج الدائري بتحويل هذه العملية الخطية عن طريق إعادة تعريف النفايات باعتبارها مدخلاً قيمًا في النظام، من خلال تعزيز نظام الحلقة المغلقة. يسعى النموذج الدائري إلى تقليل الهدر وتحقيق الكفاءة القصوى في استخدام الموارد.

الاقتصاد الدائري

الاقتصاد الدائري هو نموذج للإنتاج والاستهلاك مصمم للحفاظ على الموارد، بما في ذلك المنتجات والمواد والطاقة، داخل النظام الاقتصادي لأطول فترة ممكنة وبأعلى قيمة ممكنة. يسعى هذا النهج الثوري إلى إنشاء نظام متجدد عن طريق إعطاء الأولوية لتصميم منتجات تمتاز بطول العمر الزمني وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير. 

يعنى الاقتصاد الدائري بآثار كبيرة على الصناعات والشركات والأفراد، وذلك من خلال التأكيد على إعادة استخدام العناصر بدلاً من التخلص منها تمامًا. فيما يلي بعض الأساليب الرئيسية التي تدفع الاقتصاد الدائري:

تقليل الهدر / القضاء على النفايات والتلوث:

يقوم الاقتصاد الدائري على مبدأ القضاء على مفهوم النفايات من خلال إعادة تعريفها كمورد قيم. على عكس الاقتصاد الخطي التقليدي، حيث يتم التخلص من المنتجات في نهاية دورة حياتها، الامر الذي يساهم في التلوث واستنزاف الموارد. يسعى الاقتصاد الدائري إلى تصميم منتجات وأنظمة تقلل من إنتاج وتوليد النفايات. وينطوي ذلك على تقليل كمية النفايات المنتجة والبحث عن أساليب مبتكرة لإعادة استخدام المواد وإعادة تدويرها، والحفاظ على قيمتها داخل النظام الاقتصادي باستمرار.

2. تداول المنتجات والمواد:

يعتمد هذا المفهوم على إبقاء المنتجات والمواد في دورة مستمرة لأطول فترة ممكنة، مع ضمان الحفاظ على أعلى قيمة لها. وهذا ينطوي على عدة مبادئ رئيسية:

-إعادة التفكير في التصميم لإطالة العمر الزمني:

يتمثل هذا المفهوم في تصميم المنتجات بطريقة تهدف إلى زيادة فترة حياتها الافتراضية، ويُركز في ذلك على العناصر التي تزيد من المتانة والجودة. يقلل هذا النهج من تكرار عمليات الاستبدال ويخفف من الطلب الإجمالي على المواد الخام. الامر الذي ويوجه الشركات نحو تغيير التركيز من زيادة الإيرادات إلى تقديم منتجات تدوم عمراً أطول وذات جودة أعلى.

-إعادة الاستخدام والإصلاح:

يشجع الاقتصاد الدائري على إطالة عمر المنتج من خلال الصيانة والتجديد وإعادة التصنيع. ويقلل ذلك من النفايات ويحفز نمو الصناعات الموجهة نحو الإصلاح، مما يعزز ثقافة الاستدامة ويحسن استغلال الموارد.

– إعادة التدوير والرفع في المستوى:
يتم استعادة المواد وإعادة معالجتها لإنشاء منتجات جديدة. بالإضافة إلى إعادة التدوير التقليدية، يشجع الاقتصاد الدائري على إعادة التدوير للأفضل (الرفع في المستوى) – تحويل مواد النفايات إلى منتجات ذات قيمة أعلى بطرق إبداعية. هذا يوضح إمكانية الابتكار ضمن إطار مستدام، مما يقلل من التأثير البيئي المرتبط بإنتاج منتجات جديدة بشكل كبير.

3. إعادة إحياء وتجديد الطبيعة:


الاقتصاد الدائري يتجاوز مفهوم التقليل من الضرر؛ ويهدف إلى المساهمة الفعّالة في تجديد البيئة. تتضمن هذه الالتزامات الممارسات التي تستعيد النظم البيئية، وتعزز التنوع البيولوجي، وموازنة أي تدهور بيئي ناجم عن الأنشطة البشرية.

يتطلب تحقيق الاقتصاد الدائري تحولًا في تصميم المنتجات وإنتاجها، حيث يتم تصور النفايات مواردًا خام لإنتاج منتجات الجديدة. ينطوي هذا النهج على تقليل إنتاج النفايات، وبالتالي تخفيف العبء على مدافن النفايات ومحطات الحرق، بالإضافة إلى المساهمة الكبيرة في الحد من التلوث البيئي واستنزاف الموارد الطبيعية.

ما أهمية الاقتصاد الدائري؟

أهمية تبني ممارسات الاقتصاد الدائري تظهر في:

  1. الحفاظ على البيئة:

يلعب الاقتصاد الدائري دورًا أساسياً في الحفاظ على البيئة من خلال التقليل من استنزاف الموارد الطبيعية، وتقليل الاعتماد على المواد الخام، وتقليل التلوث، والتخفيف من حدة آثار تغير المناخ. حيث يساهم تصميم المنتجات بشكل فعّال ومستدام في تقليل استهلاك الطاقة والموارد. علاوة على ذلك، فإن التحول نحو المنتجات القابلة لإعادة الاستخدام والترقية والإصلاح يُقلل بشكل كبير من حجم النفايات.

2. الفرص الاقتصادية:

 إن اعتماد الاقتصاد الدائري يحفز القدرة التنافسية ويعزز النمو الاقتصادي ، مما يفتح أفقًا لفرص اقتصادية جديدة. غالبًا ما تحقق الشركات التي تتبنى ممارسات الاقتصاد الدائرية زيادة في الربحية من خلال تحسين كفاءة استخدام الموارد وتصميم المنتجات المبتكرة. إن الطلب المتزايد على المنتجات المستدامة يخلق سوقًا مزدهرًا، ويقدم للمستهلكين خيارات مبتكرة ومتينة. وهذا بدوره يعزز كلاً من الاستدامة البيئية والابتكار.

3. المشاركة المجتمعية:

 يعزز الاقتصاد الدائري المشاركة المجتمعية من خلال دعم المبادرات المحلية وتعزيز التعاون بين أصحاب المصلحة. يتيح هذا التفاعل المستدام تعزيز الروابط الاجتماعية وتعزيز رفاهية المجتمع. حيث يتطلب إعادة استخدام نفايات شركة ما من قبل شركة أخرى تعاونًا فعّالًا، وتوافر المواد بشكل متسق ومستمر، ويشجع التعاون بين شركاء غير المتوقعين.

في الختام، يمثل الاقتصاد الدائري تحولاً جذرياً نحو مستقبل أكثر استدامة ومرونة. ومن خلال إعادة تصور أنماط الإنتاج والاستهلاك لدينا، يمكننا أن نخلق عالماً حيث يتم تقليل النفايات إلى الحد الأدنى، ويتم الحفاظ على الموارد، وتعزيز رفاهية المجتمع. إن تبني الاقتصاد الدائري أكثر من مجرد اختيار؛ إنه التزام تجاه عالم متجدد ومزدهر للأجيال القادمة. يتطلب هذا النهج التحويلي إجراء تغييرات كبيرة في نهج الشركات والصناعات وفي المجتمع. حيث يحتاج المستهلكون إلى تبني ثقافة التقليل والحد من المشتريات، وإعادة استخدام المنتجات، وإعادة التدوير عند الضرورة.

يعتبر التقدم المستمر في مختلف الصناعات أمرًا مشجعًا، مع وجود حلول مبتكرة مثل الهواتف المحمولة القابلة للتفكيك – من تصميم مبتكرين مثل Fairphone – والتي تمهد بدورها الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة. من خلال المشاركة الفعّالة في الاقتصاد الدائري، نساهم في خلق عالم يعمل فيه الحفاظ على البيئة والفرص الاقتصادية والمشاركة المجتمعية يدًا بيد من أجل غدٍ أفضل.23 Jan 2024

https://www.fairphone.com/en